Connect with us

أخبار

حكومة أردوغان.. طموحات وتحديات | صحيفة الخليج

كرم سعيد *

ينتظر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أدى اليمين الدستورية لولاية جديدة في 3 يونيو/حزيران الجاري، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية التي جرت جولتها الثانية في 28 مايو/أيار الماضي، عدداً معتبراً من الملفات الضاغطة، والتي تشكل تحدياً خلال عهدته الرئاسية الثالثة، وتتطلب معالجة مغايرة لتلك الملفات التي لا تزال تؤرق البلاد وتزيدها انغماساً في همها الداخلي.

خلال حملته الانتخابية، تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه يمتلك مفاتيح حل المشكلات التي تواجهها البلاد، كما تعهد خلال تنصيبه بالعمل على تنفيذ ما يُطلق عليه «قرن تركيا»، ووعد بتعزيز العملية الديمقراطية من خلال وضع دستور جديد، وكذلك تعزيز المناعة الإقليمية والدولية لتركيا، وهو ما قد يضعه تحت ضغوط هائلة خلال المرحلة المقبلة.

Advertisement

وخلال الولاية الجديدة، يطمح أردوغان إلى تحقيق انتصارات جديدة، وتوسعات مغايرة، حيث أكد في «خطاب النصر» الاستمرار في بناء «مئوية تركيا»، وهو ما عكس رؤيته الطموحة لإعادة إحياء ما يُسمى ب«الإمبراطورية التركية». كما يراهن أردوغان في العهدة الجديدة على توفير بيئة خصبة لتحقيق عملية الإصلاح الاقتصادي، وتجلى ذلك في تعيين محمد شمشيك وزيراً للمالية في الحكومة الجديدة، وهو يحظى بثقة المستثمرين، وبحضور لافت في أوساط عوالم الاقتصاد الدولي، ويمتلك قدرة وكفاءة اقتصادية كبيرة.

في المقابل يحاول أردوغان خارجياً ضبط مسارات وتحركات السياسة الخارجية تجاه مناطق مختلفة من العالم. ويرجع ذلك في الأساس إلى إدراكه ضرورة إنهاء التوترات مع محيطه الإقليمي، ومعالجة القضايا الخلافية مع الدول المحورية في المنطقة، وظهر ذلك في تسريع وتيرة التطبيع مع دمشق والقاهرة. كما أن أردوغان، وفي إطار الحرص على تجنب الاقتراض من المؤسسات النقدية الغربية، يسعى نحو تسريع تطوير علاقاته مع دول الخليج، وتعميق شراكاته الاقتصادية معها.

دور هاكان فيدان

Advertisement

ويبدو أن ثمة توجهات مغايرة للسياسة الخارجية التركية خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد تعيين رئيس الاستخبارات هاكان فيدان وزيراً للخارجية، وهو الذي لعب دوراً مهما في إدارة العديد من الملفات ذات الحساسية الشديدة مع موسكو وواشنطن، وقاد جانباً معتبراً من مصالحات تركيا مع دول الإقليم.

اتخذت تركيا خطوات ملموسة في اتجاه معالجة جانب معتبر من ملفاتها الخارجية، بالإضافة إلى مواجهة الضغوط الغربية عليها، لكن من دون أن تصل العلاقة إلى حد القطيعة، إذ تعي تركيا أن العلاقات التركية مع أوروبا وواشنطن نقطة استناد استراتيجية لها، وأن ثمة مصالح كبيرة معهما. وتأتي خطوة تعيين هاكان فيدان وزيراً لخارجية تركيا استكمالاً لمحاولات أنقرة تعميق دبلوماسيتها مع محيطها الخارجي خلال المرحلة المقبلة.

بيد أن الرئيس أردوغان يدخل الولاية الجديدة، وكاهله مثقل بالعديد من الملفات الضاغطة على المستويين الداخلي والخارجي، والتي يمكن أن تؤثر في قدرته بشأن تنفيذ خططه وبرامجه ووعوده الانتخابية، وفي الصدارة منها استمرار تأزم الوضع الاقتصادي، حيث لا تزال تركيا تعاني تفاقم معدلات التضخم، بعد أن تخطت حاجز ال 36 في المئة، بالإضافة إلى ارتفاع أرصدة الديون الخارجية، وخسارة العملة المحلية (الليرة) أكثر من ثلث قيمتها أمام الدولار.

Advertisement

الوضع الداخلي

كما تمثل حالة الاستقطاب السياسي الحاد التي تعيشها تركيا، ووصلت الذروة عشية العملية الانتخابية الأخيرة، معوقاً أمام مسيرة أردوغان، وبدا ذلك في دخول الرئيس التركي لأول مرة جولة إعادة، وحصول المعارضة على عدد معتبر من الأصوات رغم خسارتها العملية الانتخابية. وقد عبرت المعارضة التركية عن الاستمرار في مواجهة سلطة الرئيس أردوغان، وتكثيف الجهود خلال المرحلة المقبلة لعودة البلاد لجهة النظام البرلماني.

التحديات التي تواجه الرئيس أردوغان، لا تقتصر على ما سبق، فملف اللاجئين السوريين يبقى أحد الشواغل والتحديات المهمة، ناهيك عن معالجة الاختلالات الاقتصادية في مناطق الزلزال، والتي تعتبر هي الأخرى ورقة ضاغطة على أعصاب الاقتصاد، نظراً للفاتورة الضخمة التي تحتاجها عملية إعادة أعمار المناطق المنكوبة، والتي تُقدر بأكثر من 100 مليار دولار، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما يتوقع عدم القدرة على وفاء أردوغان بوعده بشأن بناء 319 ألف منزل في غضون عام.

Advertisement

إلى جانب ما سبق، ثمة تحديات أمنية مركبة تُلقي بظلالها على مستقبل المشهد التركي، وبخاصة استمرار تهديدات حزب العمال الكردستاني، وتحركات التيارات الكردية في شمال سوريا والعراق، وهو ما قد يعني استنزاف جانب من قدرات تركيا ومواردها في المواجهات ضد الأكراد لتقطيع أوصال المشروع الكردي الذي تراه أنقرة تهديداً أمنياً ووجودياً لها.

وراء ما سبق، ثمة تحديات خارجية، ربما تقف حجر عثرة أمام مشروع «قرن تركيا»، منها استمرار القضايا الخلافية مع القوى الغربية، حيث لا يزال التوتر هو العنوان الأبرز مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، خصوصاً تجاه الحرب الأوكرانية. وبالتالي، لا يمكن إغفال أن إمدادات الطاقة وتأمينها تعتبر تحدياً اليوم أمام أردوغان، رغم الإعلان عن بدء الإنتاج في حقل الغاز الطبيعي «صقاريا» في البحر الأسود، بطاقة 3.5 مليار متر مكعب من الغاز، على أن تصل إلى نحو 15 مليار قدم مكعب خلال السنوات الأربع المقبلة، بالإضافة إلى موافقة موسكو على دفع جانب من مستحقاتها الغازية بالعملة المحلية.

تداعيات الحرب الأوكرانية على تركيا، لم تقتصر على الطاقة فقط، فقد امتدت بصورة لافتة إلى قطاع السياحة التركي، حيث يتوقع أن تعاني أنقرة تراجعاً في عوائدها السياحية التي تمثل بنداً مهماً في دعم الميزانية خلال المرحلة المقبلة، خاصة أن أنقرة تعتمد بالأساس على السياحة القادمة من موسكو وأوكرانيا.

Advertisement

طموحات أردوغان في الولاية الجديدة كبيرة ومتعددة، لكن يخطئ من يظن أن الطريق معبد أمامه لإنجازها بسهولة، فتركيا برغم ما تملكه من رصيد وافر في قطاع الصناعات الدفاعية، وقوة ناعمة، وحضور استراتيجي في ملفات إقليمية ودولية معتبرة، فإنها تحديات جمة لا تزال تلقي بظلالها على واقع البلاد ومستقبلها، وتحتاج إلى جهد مضاعف، ومعالجة حكيمة لتجاوزها وتخطيها بسلام.

* كاتب مصري

المصدر: صحيفة الخليج

Advertisement
Continue Reading
Advertisement
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share via