تريم عمران..21 عاماً ولا يزال في القلب
واحد وعشرون عاماً، على رحيل القامة الوطنية تريم عمران تريم، الذي غادرنا في 16 مايو 2002، بعد سنوات حافلة بالعطاء والإنجاز والخير.
كان رجلاً استثنائياً بكل معنى الكلمة، فشارك مع شقيقه الراحل الدكتور عبدالله عمران، رحمهما الله، في جميع مراحل تأسيس دولة الإمارات، داعمين المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه المؤسسين، بكل ما يملكان من قدرة على العمل والتفاوض.
وكان تريم عمران، في اجتماعات التأسيس، حريصاً على طرح أفكاره الوحدوية، ورؤيته القائمة على أن تكون منفتحة على المحيط العربي والإسلامي، وتحقق النهضة الشاملة بسواعد أبنائها.
وخلال ترؤسه، رحمه الله، المجلس الوطني الاتحادي، كرّس حضور الدولة بين نظيراتها العربية والإسلامية. ثم كلّفه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تسلّم سفارة الدولة في جمهورية مصر العربية، عقب تأسيس الاتحاد، فترسخ لديه الفكر القومي العروبي، وكان مخلصاً لمبادئه.
وكان الراحل تريم، يتميز بلباقته، ومواقفه الثابتة حيال مبادئه، وهذا ما تجسد في المقالات التي كتبها في جريدة «الخليج»، التي أسسها مع شقيقه الراحل عبدالله، مع قيام اتحاد دولة الإمارات، وعبر بها عن رؤاه للاتحاد كقوله «كياننا يعتمد أولاً على أننا عرب، وثانياً على أننا أحرار؛ وكوننا عرباً يعني أننا مصرون على المحافظة على الكيان العروبي، مالكاً لمصيره بلا مهانة».
والحرية في مفهومه، رحمه الله، تعني «أننا قد نختلف، وقد نتناقش، وأننا نؤمن بحق الآخرين في التفكير، والنقاش بكل حرية، ولكننا في النهاية نلتزم بالرأي الصحيح، والملائم لأوضاعنا، وأن حلّ كل خلافاتنا الفكرية سيكون عقلانياً، من دون تدمير ما نبني، أو ما ورثناه، إننا في النهاية إخوة في العروبة والمواطنة وفي مواجهة الخطر».
وهذا المفهوم الحضاري المتقدم، في البيئة التي كان قد تربّى فيها، تعني أن الفكر الذي امتلكه سابق للمرحلة التي عاشها.
أما في رؤيته الصحفية، فكان من كثرة أسفاره واختلاطه بأهل الاختصاص واطّلاعه، يتلمس ما يمكن تطبيقه في «الخليج»؛ حيث إذا ما استنسب شيئاً، لم يتأخر في تنفيذه على الفور، تشوّفاً للتميز، والاحتفاظ بسبق الأولوية على صعُد عدة.
وكان ممن يحبون التجديد، باستمرار، بل من عرفه وعمل معه، يعلم كم كان طرحه، أحياناً كثيرة، متقدماً على فريق العمل، فكان على أحدهم الاحتفاظ بقدراته مستفزة، كي يكون على الأقل، على الخط معه. كان يُذكّر دائماً بالتاريخ والتراث العربي الإسلامي المضيء، ويدعو إلى النهل منه بما يتواءم مع الظواهر المختلفة في الراهن الثقافي والفني والفكري، والاجتماعي عامة، بدءاً من الإمارات، ومنطقة الجزيرة، والخليج العربية، وصولاً إلى المغرب العربي، والكثير من الدول الإسلامية.
وفي بحثِه الدائم عن الكلمة الحرة والموقف الحاسم، انطوت مقالات الراحل تريم عمران، رحمه الله، على حس وطني رفيع، ونبرة متوازنة في الطرح.
فخطّ مقالات تطرقت إلى مختلف القضايا المحلية والعربية، سياسياً واجتماعياً. وآمن بأهمية التعليم، فحثّ على الاستثمار فيه. وكان يرى أن كل عام يهلّ يهيئ لرحلة جديدة من المسؤولية وحرية الكلمة.
وكان يؤكد أن «الخليج»، هي الصحيفة الأولى التي حملت همّ راية الإمارات، وقطعت عهداً على نفسها بأن تكون الحقيقة هاجسها الأول والأخير.
رحم الله تريم، قامة إنسانية وفكرية عزّ نظيرها.