
مؤسسة تعليمية «وهمية» تبيع العلم في «فيلا» مطموسة المعالم
- «الشارقة للتعليم»: غير مرخصة وليس لها وجود في قوائم الهيئة
- الآباء: خدعتنا بمبادرة «زائفة» واستغلت آمالنا في تعليم أبنائنا
- القانون: ممارسة نشاط بدون ترخيص جريمة وجمع الرسوم ممنوع
- الاستدراج عبر اجتماعات مطولة مع أولياء الأمور في «كوفي شوب»
- حملات ترويجية لاستقطاب الطلبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي
- تحصل الرسوم بلا سندات استلام وحافلاتها لا تطابق المواصفات
الشارقة: محمد إبراهيم
في واقعة غير إنسانية لم يكد يعتاد عليها المجتمع الإماراتي بمختلف فئاته، استغلت مؤسسة تعليمية «وهمية» بالشارقة، تديرها سيدة عربية، الظروف الصعبة التي يمر بها عدد من أولياء الأمور، وآمالهم في تعليم أبنائهم، فذهبت تستدرجهم للتسجيل في مدارس «ليس لها وجود»، وادعت أن لديها قدرات خاصة لفتح فصول دراسية لتعليم الطلبة وفق مناهج مختلفة «وزارية وسودانية وبريطانية، وأمريكية»، وأوهمتهم بقدراتها على إلحاقهم بالدارسة حتى الذين لم يتوفر لديهم أوراق ثبوتية وبشهادات معتمدة.
واتخذت المؤسسة لنفسها «فيلا مطموسة المعالم»، لتبيع العلم لطلبة الصفوف من الروضة وحتى الثاني عشر؛ إذ احتالت على أولياء الأمور ب«خديعة» الرسوم الرمزية، مقابل خدمات تعليمية متنوعة لأبنائهم، ووفرت لهم حافلات للنقل المدرسي لا تطابق المواصفات.
وأكد أولياء أمور ل«الخليج»، قدومهم حديثاً إلى الدولة؛ إذ وقعوا ضحايا لتلك المؤسسة التي عُرفت ب«الرعيل للتأخر الدراسي»، حيث جمعت رسوم دراسية، وفق قائمة تتناسب وطاقاتهم المادية في ظل ظروفهم الراهنة، تتراوح بين 4000-6000 درهم من دون خدمة النقل، وتم استدراجهم عبر اجتماعات مطولة في «كوفي شوب» بالشارقة، فضلاً عن الترويج النشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في المقابل، أقرت صاحبة المؤسسة أنها غير مرخصة، لكنها قيد الترخيص، وحصلت على الموافقة المبدئية، ولم تستجب للقاء «الخليج»، وتحفظت عن الإجابة عن أسئلتنا التي ركزت على مدة تشغيل تلك المؤسسة، وعدد الطلبة فيها، وقيمة الرسوم التي تم تحصيلها، ولماذا تستهدف القادمين حديثاً إلى الدولة.
أما هيئة الشارقة للتعليم الخاص، أفادت في ردها على استفسار «الخليج»، بأن المؤسسة غير مرخصة وليس لها وجود على قوائم المؤسسات التعليمية التابعة للهيئة.
الرأي القانوني يرى أنه لا يجوز ممارسة أي نشاط تعليمي أو تجاري أو صناعي من دون ترخيص، ويعد جمع الأموال عن عمد بدون وجه حق واقعة احتيال تعرض صاحبها للمساءلة القانونية.
«الخليج» كشفت ملابسات القضية بجميع البيانات والأدلة والوقائع التي تثبت وقعوا بعض أولياء أمور ضحايا لهذه المؤسسة غير المرخصة التي تمارس نشاطها منذ شهور في الخفاء.
تفاصيل القضية
وفي التفاصيل، استقبلت «الخليج» في مقرها أولياء أمور (محمد بدوي، ف.ا، م.ا، وآخر تراجع عن شكواه)؛ إذ أكدوا أنهم جاؤوا من السودان إلى الإمارات بسبب الظروف التي تمر بها بلادهم، ولمعرفتهم بكرم الإمارات وجود أهلها وأبناء زايد الخير، وتصدر أولوياتهم البحث عن مدارس لأبنائهم، بأقل كلفة نظراً لتلك الظروف، لاسيما أن معظم النازحين لا يعملون وليست لديهم أوراق ثبوتية تمكنهم من تسجيل أبنائهم في المدارس.
وأضافوا: «وجدنا على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرة لسيدة تدعي (تحتفظ «الخليج» باسمها)، لتعليم الطلبة المتضررين والنازحين إلى الإمارات؛ إذ التقينا معها في اجتماعات مطولة، في صالة تابعة لأحد المخابز بالخان- الشارقة، ومحل «كوفي شوب»، وادعت قدرتها على إلحاق أبنائنا بالمدارس واستخراج أوراق ثبوتية لهم بطريقتها الخاصة من «مدرسة الهبة» في السودان، والتي ادعت أنها مملوكة لها».
- تفاوت المبالغ المدفوعة
وكان بين أولياء الأمور من لديه 5 أبناء يدرسون في تلك المؤسسة في صفوف دراسية مختلفة، الروضة والثالث والسابع والعاشر والثاني عشر، وتفاوتت المبالغ المالية المدفوعة بحسب رواية الآباء، وذلك نظير الشهور المتبقية من العام الدراسي الجاري 2023-2024، فضلاً عن 200 درهم للكتب لكل طالب، و500 درهم مقابل الزي الذي لا يحمل شعار المدرسة وعبارة عن «تي شيرت وبنطلون أزرق».
وأفادوا بأن الرسوم الدراسية تختلف بحسب المرحلة الدراسية؛ إذ بلغت رسوم الروضة 3300، والثالث ب 4000، والسادس ب 4600، والسابع ب5300، فضلاً عن رسوم التسجيل المقدرة ب 300 درهم لكل طالب، و800 درهم للكتب، مقابل تسجيل أبنائهم في نظام التعليم الإماراتي وتأمين شهاداتهم نهاية العام معتمدة، ما يضمن لهم الاستمرارية في الدراسة.
- نناشد المسؤولين
وقالوا: «اكتشفنا أنه لا يوجد تسجيل ولا مدرسة، وتعثر الحصول على رد صريح من المؤسسة حول استلام شهادات أبنائنا للانتقال إلى الصفوف اللاحقة بعد اكتمال العام الدراسي، ولم نجد أيضاً رداً عن مدى اعتمادها أو عدمه، وكيفية قبولهم من دون أوراق ثبوتية في نظام القيد والقبول نظراً لظروفنا، لتخدعنا صاحبة المؤسسة بمبادرة زائفة».
وناشدوا المسؤولين عن قطاع التعليم بإيجاد حلول عاجلة لمساعدتهم في ظل أزمتهم الحالية، لاسيما أن الأمل الوحيد لهم ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمبادرة صاحبة هذه المؤسسة التي أظهرت قدرتها على توفير التعليم للأبناء بمختلف المناهج الدراسية، مقابل رسوم رمزية لا تتجاوز ال 4000 درهم طوال العام.
- «الخليج» تزور المؤسسة
في محاولة للتأكد من صحة شكوى أولياء الأمور، زارت «الخليج» المؤسسة، وطرحنا عليهم الأسئلة الاعتيادية التي يقدمها أولياء الأمور لتسجيل أبنائهم في مدرسة جديدة، وتبين من ردودهم أنه يتم الترويج لمدارس تحمل اسم الرعيل للتأخر الدراسي تطبق مناهج متعددة، وسيعلن عن رسومها في أغسطس المقبل، ولا يوجد معلومات عن تراخيصها أو رسومها.
ولاحظنا قائمة بالرسوم معلقة على الحائط، وحركة طلابية وقاعات تعمل لتدريس الطلبة، وآباء يسألون عن التسجيل وقيمة الرسوم، وفي الخارج رصدنا عدم وجود «لافتة» توضح اسم المؤسسة أو ماهية نشاطها، ووجود حافلتين لا تطابق المواصفات ومعايير الأمن والسلامة لنقل الطلبة.
وبتعميق البحث عن المؤسسة لم نجد سوى بعض مقاطع الفيديو الترويجية، والإعلانات المكتوبة عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يوجد على الإطلاق موقع إلكتروني رسمي يوفر بيانات أو معلومات للطلبة أو أولياء الأمور عن نشاط المؤسسة أو المركز أو المدرسة.
- التواصل مع المديرة
لم نجد سهولة في لقاء صاحبة المؤسسة الذي نتطلع إليه من 6 يونيو الجاري، بحجة ظروفها الصحية وإقامتها في مدينة العين، فوجهنا لها أسئلة عبر «الواتس آب»، ركزنا فيها على مدى مشروعية المؤسسة، وتراخيصها والمبادرات التي تقدمها، وأسباب عدم إصدار إيصالات استلام نقدية لأولياء الأمور؟ وإذا كانت مبادرة نابعة من المسؤولية المجتمعية لتوفير التعليم للطلبة، مهما كانت ظروفهم، لماذا العمل في الخفاء؟
وأقرت المديرة من خلال رسائل متبادلة مع «الخليج» عبر الواتس آب، بأن المؤسسة غير مرخصة، وأنها ما زالت قيد الترخيص، وتم الحصول على الموافقة المبدئية ومرفق معها بعض التعديلات، وستكون اللافتة والمدرسة جاهزة خلال الأسبوع المقبل، على الرغم من أن المؤسسة تعمل منذ شهور بدون ترخيص.
وفي تعليقها على أن المؤسسة غير مشهرة، أفادت بأنها مكان جديد، وأنها تهدف إلى تعليم الطالب أينما وكيفما كان مهما كان وضعه المادي والمعيشي، والعلم رسالة وعلينا أن نتكاتف جميعاً لمحاربة الجهل، ولي شرف نشر هذه الرسالة، مؤكدة أن الأمور كلها نظامية، و(اختفت وأغلقت أبواب المؤسسة).
في إفادتها رداً على استفسار «الخليج»، أكدت هيئة الشارقة للتعليم الخاصة، أن المؤسسة المشار إليها غير مرخصة، فضلاً عن عدم إدراجها ضمن قائمة المؤسسات التعليمية التي تعمل تحت مظلة الهيئة، كما أن الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة، يوفر قائمة بالمدارس والمؤسسات التعليمية المرخصة وبيانات ومعلومات متكاملة تساعد أولياء الأمور على اختيار المدارس المناسبة لأبنائهم.
- الرأي القانوني
ووفقاً للرأي القانوني، أكدت المستشارة القانونية مها الجسمي، أنه طبقاً للقرار رقم 2/2017 بشأن تنظيم العمل بالمدارس الخاصة الماده7، يحظر على أي شخص طبيعي أو اعتباري مزاولة النشاط التعليمي إلا بعد الحصول على التصريح التعليمي من الجهات المختصة.
وفي المادة 34 يحظر على المدارس الخاصة جمع أموال أو قبول تبرعات أو معونات من أي شخص سواء داخل الدولة أو خارجها، إلا بعد الحصول على الموافقة الخطية المسبقة من الجهات الحكومية المعنية بهذا الشأن، موضحة أن العقوبة على عدم استخراج الترخيص تصل إلى 100 ألف درهم، وغلق المؤسسة لحين استكمال إجراءات الترخيص والحصول على موافقة لمزاولة النشاط.
- خطاب رسمي لمؤسسة غير رسمية
وتواصل معنا مسؤول العلاقات العامة والإعلام للمؤسسة الوهمية؛ إذ عرف نفسه بأنه الدكتور (تحتفظ «الخليج» باسمه)، حيث اشترط للإجابة عن أسئلتنا، إرسال صورة البطاقة الصحفية لمجري اللقاء، وخطاب من الصحيفة معنون لمركز الرعيل لصعوبات التعلم، يفوض بموجبه الصحفي صاحب البطاقة بإجراء اللقاء، ونسخة من الصحيفة تظهر نموذجاً للقاءات أجراها الصحفي المفوض.