محطات

«عروسة المولد».. إيزيس المصرية بنكهة الفاطميين

القاهرة: «الخليج»

تتزين الآلاف من المحال التجارية بالأضواء، وترفع المئات من ورش صناعة الحلوى حالة الطوارئ في مصر، خلال تلك الفترة من كل عام، احتفالاً بقرب المولد النبوي الشريف، وما يصاحبه من طقوس مبهجة، تضرب بجذورها إلى أكثر من ألف عام.

وتتصدر «عروسة المولد»، محال بيع الحلوى في مصر، في احتفالية يرجعها كثير من الباحثين في التراث الشعبي إلى زمن الفاطميين، باعتبارهم أول من صنعوا تلك العروس من الحلوى، وجملوها بالأصباغ احتفالاً بذكرى المولد النبوي، وذهب بعضهم إلى القول إن أصولها ترجع إلى عصور الحياة المصرية القديمة، ومن بينهم د.عبد الرحيم ريحان، الباحث الأثري المعروف، الذي يقول إن تلك العروس الملونة المصنوعة من السكر، صناعة مصرية خالصة، وإن المصريين الفراعنة، سبقوا الفاطميين في تلك الصناعة بقرون، عندما صنعوها من السكر، واستخدموها في الاحتفال بالعديد من الأعياد والمناسبات القديمة، تجسيداً لأسطورة إيزيس وأوزوريس، التي تجسد الصراع بين الخير والشر، في الميثولوجيا المصرية القديمة.

وتذهب كثير من الدراسات، إلى أن الظهور الأول لعروس المولد بصورتها التقليدية الحالية، المزركشة بالألوان، كان في زمن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، حيث استلهم المصريون فكرتها من موكب الخليفة، الذي كان يخرج إلى الناس في موكب مهيب، راكباً حصانه في ذكرى المولد، ومن خلفه «سيدة القصر» في هودجها، حيث كان الموكب ينطلق من قصر الخلافة، وينتهي عند المسجد الحسيني في منطقة الدراسة، إيذانا ببدء الاحتفالات الرسمية، وهو ما يفسر إلى حد كبير فكرة الحصان في تلك الصناعة، إذ دأب المصريون على شراء العروس المصنوعة من الحلوى للبنت، والحصان للولد، في طقس شعبي لم تغيره الأيام، احتفالاً بالذكرى الغالية.

تمر صناعة عروس المولد بعدة مراحل، وتبدأ من عملية صهر السكر الخام في أوانٍ ضخمة على درجات حرارة عالية، قبل أن يتم صبّ السكر المصهور في قوالب الصب، التي تتخذ أشكالاً وأحجاماً مختلفة للعرائس والأحصنة والجمال أيضاً، ثم تترك بعد ذلك لتبرد، قبل أن يقوم الصناع بفك القوالب لتبدأ المرحلة النهائية، وهي التزيين.

خصم يصل إلى 50% | عروض التصفية من أمازون

وتتولى النسوة غالباً مهمة تزيين العرائس في ورش صناعة الحلوى، فيما يتم تزيين الحصان ببضع قصاصات من الزينة، والأصباغ للفارس الذي يمتطيه وهو يشهر سيفه، في إشارة لا تخطئها عين للخليفة الفاطمي، وهو ما يؤصّل عملياً لظهور تلك الصناعة في هذا العصر.

وترصد العديد من الدراسات التاريخية، كيف تفنن الفاطميون عند دخولهم إلى مصر، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، ويروي المقريزي في خططه، كيف كان الخليفة الفاطمي يقيم خيمة كبيرة بجوار قصر الحكم، توضع عند أبوابها أحواض من الجلد، تُملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون، وتعلّق حولها الأكواب المصنوعة من النحاس الأصفر، والمزينة بالنقوش الجميلة، فيما يقف حولها طائفة من «غلمان الشرابخانة»، الذين كان يقتصر دورهم على مناولة شيوخ الطوائف، الذين يدعون لحضور الاحتفال أكواب الشراب.

ظل المصريون يحرصون على ذلك الطقس الشعبي لقرون من الزمان، قبل أن تظهر في العقود الأخيرة العروس البلاستيكية، وإن ظلت تراوح مكانها كمجرد لعبة، ولا تحمل الزخم التراثي الكبير للعروس المصنوعة من الحلوى، التي ارتبطت على نحو ملحوظ بالذكرى الغالية، وما تدخله في نفوس الأطفال من بهجة.

المصدر: صحيفة الخليج

amazon.ae

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى