أخبارالأخبار العالمية

النيجر.. أزمة تختبر كل الأطراف

كتب – بنيمين زرزور

تختبر أحداث النيجر ديناميكية التغيير التاريخي الذي يفرض نفسه على النظم الاجتماعية، وعلى تركيبة المجتمع السياسي والمدني، وهو ما تعكسه التحركات المدنية في شوارع بعض المدن في القارة الإفريقية، وتختبر الأزمة أيضاً نجاعة تحركات تقودها تشكيلات من جيل الألفية الذي نشأ في خضم الأزمات الاقتصادية الخانقة، مسلحة باليقظة التكنولوجية وأدواتها التي عززت الروابط بين من هم داخل الأوطان المنكوبة ومن هم في الشتات، في مسعى للبحث عن نمط غير تقليدي من برامج التحرر والتنمية لا يعتمد على التنظير الغربي الذي أصبح عديم المضمون.

بينما لا يمكن الفصل بين التطورات في النيجر ومشاهد موت المهاجرين غرقاً، حيث يتزايد تشديد القيود على حركة الهجرة إلى أوروبا، ينتظر أن تتطور هذه التحركات لتشمل دولاً إفريقية أخرى بمجرد أن تُثبت التجارب السابقة قدرتها على الفعل، وتوفر النموذج المرضي في أي بلد، وهو ما تتسابق عليه ربما بدعم قوى خارجية تغريها بالآمال المعسولة، حيث توجه أصابع الاتهام لكل من روسيا والصين كنِدَّين للاستعمار الغربي وما خلفه في القارة من ويلات.

وتختبر هذه الحركات من جانبها، أهمية الاعتماد على الانقلابات العسكرية التي لا تؤمن بالقيم الديمقراطية، وتصر على أن التغيير يحتاج إلى القوة والعنف. ويخدمها في ذلك تلاشي الطبقات السياسية التقليدية وما تضمه من قيادات مخضرمة لا غنى عنها في إدارة عملية التغيير، خاصة العلاقات مع الخارج التي تعتبر لب المشكلة.

سوق العنف

والحقيقة أن هذه الحركات منحت سوق العنف زخماً جديداً من خلال التحالف بين الشركات التي تستثمر في ثروات البلاد والأنظمة السياسية التي تحمي مصالحها في علاقة نفعية متبادلة. وما يثير القلق هو أن تكون الانقلابات العسكرية بداية لخارطة سياسية جديدة تجسد نفس الروابط بين الشركات الدولية وزعامات الحركات الانقلابية التي تحظى حالياً بدعم الشباب حاملي لواء التغيير.

من هنا تخضع المرحلة الحالية من محاولات التغيير لاختبار مواجهة قضية شديدة التعقيد بسبب ضبابية الرؤية لدى الأطراف كافة، بمن فيهم قيادات الانقلاب الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتمترس وراء القوة والعناد رهاناً على الفوز بالنصيب الأكبر من الكعكة. وهذا ما يفسر صعوبة الحل في النيجر ورفض العسكريين التراجع، وبالتالي قطع الطريق على عودة الرئيس محمد بازوم، حيث أعلن المجلس العسكري نيته محاكمته بتهمة «الخيانة العظمى وتقويض الأمن الداخلي والخارجي».

وبينما أطلقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» بارقة أمل في تحقيق اختراق بالحل التفاوضي، أعلن قادة الانقلاب عزمهم محاكمة الرئيس محمد بازوم بتهمة الخيانة. وقال العقيد ميجور أمادو عبد الرحمن، عضو المجلس العسكري الذي قاد الانقلاب، إن «حكومة النيجر جمعت حتى الآن الأدلة اللازمة لمحاكمة الرئيس المخلوع وشركائه المحليين والأجانب أمام الهيئات الوطنية والدولية المختصة بتهمة الخيانة العظمى وتقويض الأمن الداخلي والخارجي للنيجر». وقد قوبل القرار باستنكار شديد من «إيكواس» التي اعتبرته استفزازاً.

وتختبر الأزمة قيادة الانقلاب التي تتعرض لضغوط أمريكية وفرنسية تضاف إلى ضغوط «إيكواس»، وتبحث عن مؤيدين لها في الجوار الإفريقي بعد أن أعلنت كل من مالي وبوركينا فاسو دعمهما للنيجر في حال تعرضها لعدوان عسكري. فقد حث المجلس العسكري في النيجر الأحد، دولة غينيا على زيادة دعمها، بينما يزور وفد نَيجَري العاصمة كوناكري في ظل التوترات مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

وكان رئيس المجلس العسكري في النيجر، الجنرال عبد الرحمن شياني، قد التقى في العاصمة نيامي، وفداً من العلماء ورؤساء المؤسسات الدينية من نيجيريا. وطالب شياني خلال الاجتماع، برفع العقوبات التي فرضتها «إيكواس» على النيجر.

وتخضع «إيكواس» هي الأخرى لاختبار بعد أن أعلنت، في وقت سابق، تعليق المساعدات المالية للنيجر، وكذلك فرض حظر سفر وتجميد أصول المتمردين وعائلاتهم وأي شخص يوافق على المشاركة في المؤسسات التي يشكلها قادة الانقلاب، كما تم إغلاق الحدود وتعليق المعاملات التجارية والمالية بين دول المجموعة والنيجر.

تناغم «إيكواس» مع الغرب

وفي إطار الشد والجذب المستمرين وغياب الحل الواضح، صرّح الرئيس النيجيري ورئيس «إيكواس»، بولا أحمد تينوبو، بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، فيما يتعلق بأزمة النيجر، بما في ذلك استخدام القوة كحل أخير. وقد حددت المجموعة ذات التوجه الغربي، موعداً نهائياً لتخلي المجلس العسكري عن السلطة وإعادة محمد بازوم إلى الرئاسة، أو مواجهة هجوم من قبل جيوش إيكواس المشتركة.

وتتناغم سياسات إيكواس مع موقف كل من فرنسا والولايات المتحدة اللتين تواجهان اختبار القدرة على البقاء، الأمر الذي يُعَقِّد الأزمة ويُضعف احتمالات حلها سلمياً، خاصة وأن الأطراف الغربية تجد نفسها في مواجهة أزمة تهدد مصالحها التقليدية في القارة، خاصة فرنسا الوصي السياسي الذي يدير علاقات تلك الدول بشكل غير مباشر منذ انتهاء مرحلة الاستعمار العسكري في الستينات.

ولا شك أن رهانات الولايات المتحدة والغرب على النيجر كبيرة جداً نظراً لأهميتها ضمن منظومة مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل. فقد كشفت نسخة عام 2023 من مؤشر الإرهاب العالمي، أن منطقة الساحل أصبحت الآن «بؤرة الإرهاب»، حيث سجلت أكبر عدد من ضحايا العمليات الإرهابية عام 2022 مقارنة بجنوب آسيا، بما في ذلك أفغانستان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجتمعة. وقد شكلت الوفيات المرتبطة بالإرهاب في منطقة الساحل 43% من الإجمالي العالمي البالغ 6700، وهي زيادة ضخمة مقارنة بما كانت عليه عام 2007 عند 1% فقط. ومن الواضح أن التنافس الأمريكي الصيني الروسي على القارة خلق تحديات من نوع آخر أضعفت حظوظ باريس، بينما تحث واشنطن الخطى للحفاظ على ما تبقى لها من هيبة.

وقال تقرير لصحيفة «سي إن إن» إن الولايات المتحدة تواجه اختبار اتباع نهج أكثر استباقية لمواجهة موقف يتحول بسرعة إلى أزمة ضخمة في قلب إفريقيا، لأن نتيجة الانقلاب في النيجر سوف تحدد الاتجاهات السياسية على مدى سنوات قادمة في منطقة تضم المواد الخام الأساسية، وقاعدة للإرهاب ومصدراً للدعم الاستراتيجي لروسيا.

ويفرض هذا التحدي الأخير للديمقراطية في إفريقيا اختباراً من نوع خاص على روسيا الساعية لتوسيع حضورها في المنطقة، حيث تنتشر قوات مجموعة «فاغنر» في عدد من دولها. ويهدد الاستيلاء على النيجر بإحكام روسيا الخناق على منطقة الساحل، حيث تتواجد عناصر المجموعة في جمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو ومالي.

المصدر: صحيفة الخليج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى