الدكتور سلطان القاسمي يكتب: كنت مراسلاً صحفياً سرّياً
الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
في صيف عام 1957م، كنت لاعباً في فريق كرة القدم التابع للقاعدة البريطانية، وكنت العربي الوحيد غير العامل في القاعدة البريطانية.
ذهبت إلى مطار الشارقة وهو تحت إدارة القاعدة، لإبلاغ ترتيبات لبعض المباريات للعاملين في استراحة المطار، والذين يعملون في المطبخ التابع للاستراحة، وهي استراحة المطار، فذهبت إلى هناك حيث إني المدير الإداري للفريق، فوجدت رجلاً كان يتحدث مع حسن كَرَات، أحد اللاعبين، بالعربي، وهو لا يعرف العربية، فضحكت. قال لي: أنت عربي؟
قلت: نعم، أنا عربي. سألته: أنت من أين؟
قال: أنا من مصر.
قلت: جئت البلد هنا؟ أيّ مساعدة تريدها؟
قال: «أنا طلبت أن أجيء إلى هنا فمنعوني… لكنني كنت في الكويت فركبت هذه الطائرة، وانطلقنا من الكويت إلى البحرين للعبور إلى الشارقة، فأنا في طريقي إلى الهند، وسأتأخر لأعرف كل شيء عن القاعدة البريطانية، وأنا صحفي من مجلة «آخر ساعة» واسمي جميل عارف».
قلت: هذا أمر صعب، لكن أنا عندي بطاقة تسمح لي بالدخول لأنني لاعب في فريق القاعدة، وبالنسبة لك، لن يُسمح لك بالخروج من هنا، فأخذته معي من باب المستخدمين في الاستراحة، وفي السيارة دخلنا القاعدة، وتجولنا في الداخل، فشاهد الطائرات، وأراد أن يلتقط صوراً.
لكنني قلت له: لا، أنا يمكنني أن أصور، وأرسل لك وأعطيك معلومات كاملة، لأن الوضع في المطار كان مضطرباً، وكانوا قد أحضروا ثلاثة آلاف جندي من عدن وأنزلوهم هنا.
وقلت له: هناك عدد كبير من الخيام الجديدة التي تم نصبها من أجل الأعداد الكبيرة لهؤلاء الجنود.
وسألته: كيف أرسل لك المعلومات؟
قال: هذا عنواني ولكن لا تكتب لي أنا… اكتب لابنتي الصغيرة، اسمها آية جميل عارف.
بعدما رجعنا إلى المطار وجدنا الإنجليز يتساءلون: أين ذهب هذا الرجل المصري؟! حيث كان وقت إقلاع الطائرة.
قلت لهم: أنا أخذته ليشاهد البلد.
قالوا لي: كيف تعمل هكذا؟!
قلت: أنا حَسَبْتُ الوقت، لكن الوقت تأخر.
قالوا له: اركب الطائرة. فركب الطائرة وسافر إلى الهند.
كان السؤال: كيف سأرسل له ما اتفقنا عليه؟
لو أرسلت من خلال الشارقة ستحدث مشكلة، لأن الرسالة سيكون فيها صور، ولا بدّ أن يشكّوا فيّ، لأن الملف البريدي سيأتي إلى القاعدة البريطانية، ويقوم الإنجليز بفحص الملفات، فكرت في أن أرسل إلى الكويت، وعلمت أن هناك شخصاً اسمه سيف بن عوقد، يأخذ الرسائل من أهالي الشارقة في الكويت ويعطيها لأولادهم أو زوجاتهم في الشارقة، وسألت: كيف أتعرف عليه؟
قالوا لي: إن له أخاً اسمه راشد بن عوقد في الشارقة، عنده محل لكيّ الملابس. ذهبت وتعرفت عليه وأخذت ثيابي لأكويها عنده، وقلت له: متى يجيء أخوك؟
قال: أخي وصل.
قلت: عشاؤكم عندي، أنا عندي حمام سأطبخه وسأحضره.
قال راشد: سيف لا يقرأ، لكن تقول له هذا الخطاب لبيت فلان، وهذا الخطاب لبيت فلان، وهكذا بهذه الطريقة.
طلبت منه أن يحضر لي طوابع بريدية من الكويت. وقلت له: اسأل في البريد، الرسالة التي تذهب إلى مصر كم تكلفة طوابعها؟ وأخبِرْني. وأعطيته مالاً، ليشتري لي الطوابع. قمت بالتقاط الصور في القاعدة بنفسي، وبدأت أراسل مجلة «آخر ساعة»، عن طريق سيف بن عوقد في الكويت، وهي لطائرات حربية وآلات عسكرية وجنود، وأضعها في الرسالة، وأكتب العنوان البريدي على الرسالة، وأضع طوابع زيادة، حتى لو تم وزنها وكان فيها وزن زائد، لا تكون هناك مشكلة، ودور سيف بن عوقد هو وضع هذه الرسائل في صندوق البريد، وبهذا الشكل كنت أراسل الصحفي الذي لم يستطع أن يصور القاعدة، وقد نشر جميع الصور والمقالات، دون أن يذكر اسمي، فقد كان يذكر مُرافقي فقط.