«مصدر».. مدينة المستقبل الذكي والمستدام
أبوظبي: «الخليج»
تجسد مدينة مصدر، التي تُعد واحدة من أهم مدن المستقبل استدامة في العالم، إيمان دولة الإمارات بأهمية الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة التي تعتبرها ركيزة أساسية من ركائز الاستدامة.
جاء الاستثمار في هذا القطاع في مقدمة الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات التي تسير قدماً نحو قيادة الجهود الهادفة لتبني أفضل الابتكارات بغرض مواجهة آثار تغيّر المناخ والتخفيف من آثار الاحتباس الحراري، الذي يعد محوراً رئيسياً في المناقشات العالمية في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، الذي تستضيفه الإمارات في الفترة من 30 نوفمبر المقبل وحتى 12 ديسمبر المقبل في مدينة إكسبو بدبي.
وانطلق تطوير مدينة مصدر، أحد المجتمعات الحضرية الرائدة المستدامة، عام 2008، وذلك بعد عامين من تدشين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» في عام 2006، لتضم المدينة مجتمعاً حيوياً حضرياً منخفض الكربون، ومجتمعاً متنامياً قائماً على التقنيات النظيفة، ومنطقة حرة، ومنطقة سكنية، ومطاعم ومتاجر تجزئة، ومنتزهات خضراء.
مزايا وحوافز
وتعد مدينة مصدر مركزاً للأعمال والتكنولوجيا وفق أعلى المستويات العالمية، وتقدم مزايا وحوافز مهمة للشركات، بما في ذلك التملك الكامل للأجانب، والإعفاء من ضرائب الدخل، وعدم فرض قيود على صرف العملات. كما يمكن للشركات التي تتطلع للاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وسوق الطاقة المتجددة التي تشهد نمواً في المنطقة، أن تستفيد من «النافذة الموحدة للخدمات» لتسهيل وتبسيط تأسيس وتسجيل الشركات والأعمال في أبوظبي.
وتقع مدينة مصدر على بعد 5 دقائق فقط من مطار أبوظبي الدولي و20 دقيقة من وسط مدينة أبوظبي و40 دقيقة من إمارة دبي.
وتعتبر مدينة مصدر مركزاً للتقنيات النظيفة، لذلك تعد مدينة جاذبة للشركات المتخصصة والراغبة في مزاولة أعمالها في الشرق الأوسط ومساعدة المنطقة على تحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وسط ظروف وبيئة عمل مثالية.
وفي إطار سعيها لترسيخ أسس الحياة المستدامة، تلتزم مدينة مصدر بتطوير مرافق ومنشآت مستدامة عالمية المستوى تعود بالنفع على المقيمين فيها وعلى المجتمع المحلي، بما يمكنهم من تحسين جودة حياتهم وتشجيعهم على تبني أسلوب حياة أكثر صحة.
تصاميم ذكية
وتطبق التصاميم العمرانية الذكية لمدينة مصدر أفضل الممارسات في مجال التنمية المستدامة، حيث توفر البنية التحتية للمدينة منصة تساعد الشركات على إجراء اختبارات عملية، وتطبيق الحلول الجديدة للطاقة في بيئة حضرية، الأمر الذي يساعد على تسريع جهود البحث والتطوير، فضلاً عن التسويق التجاري للتقنيات النظيفة.
ويجمع التصميم المعماري للمدينة بين جماليات وأصالة فنون العمارة العربية التقليدية وحداثة الفنون العصرية، وهو ما يظهر جلياً في مباني المدينة التي تقلل من استخدام الطاقة وتستخدم التهوية الطبيعية التي توفرها أبراج الرياح، كما تستفيد من حركة مرور الهواء المنعش فيها لتوفير برودة طبيعية تضمن أجواءً مريحة أثناء ارتفاع درجات الحرارة صيفاً.
وتجمع مواد البناء «الخضراء» التي استعانت بها المدينة في أعمال التشييد، بين مزيج أسمنتي لا يتسبب تصنيعه في انبعاث كميات كبيرة من الكربون، وألومنيوم وحديد صلب تم تدويرهما، إضافة إلى أخشاب مستوردة من غابات تدار بطريقة مستدامة، وغيرها من المواد الصديقة للبيئة.
شبكة نقل ذكية
تقدم مدينة مصدر شبكة نقل ذكية ومتكاملة تعزز فرص الوصول إليها والحياة فيها، حيث يحظر استخدام السيارات التقليدية، إذ تعتمد المدينة على أنظمة النقل التي تشغلها الطاقة النظيفة، منها نظام النقل العام ونظام النقل الشخصي السريع الذي يستخدم حالياً في الحرم الجامعي لمعهد مصدر، مشروعاً تجريبياً.
وتستفيد مدينة مصدر من أشعة الشمس المستمرة طوال العام، إذ تعمل على توليد الطاقة الكهربائية النظيفة باستخدام تكنولوجيا الألواح الشمسية المنتشرة على أسطح المباني، حيث تزودت المرحلة الأولى فقط من المشروع بمحطة توليد للطاقة الشمسية بقدرة 10 ميجاواط مدعومة بسلسلة من النظم الصغيرة المثبتة على الأسطح لترفد المدينة بمعظم احتياجاتها من الكهرباء، وتحدّ من الحاجة إلى الطاقة العاملة بالوقود الأحفوري، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك المدينة أحد أضخم التجهيزات الكهروضوئية في منطقة الشرق الأوسط.
وتحظى طرقات مدينة مصدر بتصميم يوفر بيئة وارفة الظلال طوال اليوم، تستقطب نسمات الهواء بهدف تخفيض درجات الحرارة، وهو ما يحدّ من استخدام مكيفات الهواء.
حاضنة عالمية
تعتبر مدينة مصدر حاضنة عالمية للمعرفة والأفكار والأعمال التجارية وأعمال البحث والتطوير، حيث توفر بيئة مساندة للابتكار وروح الريادة، وهو ما جذب اهتمام العديد من الشركات العالمية التي اتخذت من المدينة منصة لإطلاق المبادرات والابتكارات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة، حيث تتيح المدينة للشركات فرصة التعاون مع معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في هذا المجال لتسريع تطوير التقنيات.
وعملت مدينة مصدر على تكريس أسس الاستدامة والحفاظ على البيئة عبر استخدام تطبيقات عالية الكفاءة ترسخ الاستدامة مثل صنابير المياه منخفضة التدفق، وإصدار تعرفة للمياه، وعدادات المياه الذكية، فضلاً عن أجهزة معالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في ري النباتات.
ويوفر مجتمع مدينة مصدر مجموعة شاملة من المرافق والمنشآت التي تمكن من العيش وفق أسلوب حياة مستدام، من ضمنها مجمع الاتحاد المستدام الذي تم تدشينه رسمياً في إبريل 2018، ويعتبر أول مجمع مستدام مخصص لطواقم الضيافة الجوية يحصل على التصنيف البلاتيني بنظام ليد «LEED» (الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة) في إمارة أبوظبي. ويشتمل المجمع على شقق سكنية مؤلفة من غرفة واحدة وغرفتين مزودة بمجموعة مميزة من التقنيات المتطورة.
وتوفر المدينة مزيجاً متكاملاً من المساحات المخصصة للسكن والتعليم والترفيه وتجارة التجزئة والتصنيع والمكاتب، ما يتيح للزوار والمقيمين سهولة الوصول إلى جميع مستلزماتهم، ويقلل الحاجة إلى استخدام وسائل النقل.
وصممت مباني المدينة بحيث تتسع لعدد كبير من الأفراد الذين يمكنهم العمل والعيش ضمن مكان واحد، وهو ما يقلل الحاجة إلى خدمات التدفئة والتبريد ووسائط النقل الداخلية.
وحدة الابتكار
وتعمل مدينة مصدر على ترسيخ استدامة الشركات لا سيما الناشئة، عبر وحدة الابتكار التكنولوجي ومقرها المنطقة الحرة في المدينة، وهي أول مركز لدعم نمو الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة بالمنطقة، وتساعد هذه المبادرة الشركات الناشئة على تسريع نمو أعمالها من خلال تزويدها بما تحتاج إليه من التمويل والتدريب والتوجيه. وتستهدف الوحدة الأفكار المبتكرة في مجال التكنولوجيا المستدامة التي يمكن ترجمتها إلى مشروع ناشئ، حيث تعمل على تسريع وتيرة نموها من خلال برنامج شامل يوفر لرواد الأعمال الدعم والخدمات اللازمة.
وتعتمد «مصدر» على حل ذكي يمكنها من استيعاب العدد المتنامي من الشركات الراغبة في افتتاح مكاتب لها ضمن المدينة، وذلك عبر مجمع «تك بارك» الصديق للبيئة والذي يقدم حاويات شحن أعيد تدويرها لتستخدم كمكاتب أو مراكز تدريب أو متاجر تجزئة.
وتوفر المكاتب، التي يبلغ طول كل منها 12.2 متر وبعرض 2.4 متر، حلاً للمدينة يمكّنها من استقبال الشركات الراغبة في العمل في بيئة مثالية مستدامة والانضمام إلى أكثر من أربعة آلاف شركة، وذلك بالتوازي مع التأكيد على التزامها بتطوير أماكن تتسم بانخفاض البصمة الكربونية والاستدامة والجدوى التجارية. وتعتبر إعادة تدوير الحاويات أقل استهلاكاً للطاقة والمواد وإطلاقاً للنفايات مقارنة بالمباني التقليدية.
وتعمل مدينة مصدر على استخدام تقنيات متطورة لتقليل كمية النفايات إلى الصفر، إذ تستخدم النفايات البيولوجية في الحصول على تربة وأسمدة غنية، فيما يمكن تحويل بعض هذه النفايات، عن طريق الحرق، إلى مصدر إضافي للطاقة، كما تتعامل مدينة مصدر مع النفايات الصناعية؛ مثل البلاستيك، عبر إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها في أغراض أخرى.