خليفة.. عطاءات لا تُنسى | صحيفة الخليج
الحرص على نهضة الدولة، والارتقاء بخدماتها، وتقوية دعائمها التي أرساها الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان نبراس الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، في الحرص على مواصلة مسيرة بناء إمارات الخير، وتعزيز أركانها، ورفع اسمها عالياً في سماء التحضّر، والتقدّم، والإنسانية؛ وهي الركيزة الأساسية في البناء.
ورث الشيخ خليفة من الأب زايد أصالة الفعل ورقي السلوك والمسلك في توثيق العلاقة بمواطني الدولة، والتقرّب منهم، والاستماع إليهم، والوقوف على آمالهم ومطالبهم تمثّلاً بالأب المؤسس، الذي كان يلتقي بالقبائل ويجالسهم طويلاً، ويمد يده إليهم بما يحتاجونه، ويحاول رفع مستوى معيشتهم، وكان الشيخ خليفة ملازماً له في هذه الجولات شبه اليومية.
وعلى مدار فترة حكمه من نوفمبر 2004 وحتى مايو 2022 حفلت مسيرة الشيخ خليفة، رحمه الله، بالعديد من الإنجازات التي ستظل حاضرة بالخير الكثير الذي قدّمه، وتبقى دالة على ما كان عليه من طيب أصل، ورقي طبع، ورحمة كيان، وجود يد، وعطاء لا متناهٍ.
أهداف وغايات
حدّد الشيخ خليفة الأهداف التي تعمل عليها الدولة، والغايات التي تسعى إليها، وجاء ذلك في الكلمة التي ألقاها في يوم الاحتفال بالعيد الوطني التاسع والثلاثين 2010، ومنها الالتزام بالثوابت التي نص عليها دستور الإمارات، وتعزيز الاتحاد والوحدة والتضامن، وتحقيق التنمية الاجتماعية، وتحسين نوعية الحياة وفق رؤية وطنية شاملة ومستدامة غايتها توفير التعليم الجيد، والمسكن اللائق، والمستويات العالية من العناية الصحية، وكذلك توفير نظام رفاه اجتماعي لجميع المواطنين، والارتقاء بالخدمات الحكومية العامة، وتنفيذ برامج لتطوير الاقتصاد، باتخاذ التخطيط الاستراتيجي منهجًا والتنافسية غاية.
كما شملت الأهداف تحديث التشريعات، وتنظيم سوق العمل، ودعم التوطين، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص، وتحقيق التكامل بين كل ما هو اتحادي ومحلي في التخطيط والتنفيذ، وتمكين المرأة وحماية الأمومة والطفولة، ودعم الشباب، ورعاية المسنين والقُصّر، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، والنهوض بالمناطق النائية بما يحقق التوازن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى الدولة، والتأسيس لحياة ثقافية مجتمعية غنية تساوي بين المواطنين في الحق والواجب، وتتيح لهم فرص المشاركة في صنع السياسات، واتخاذ القرارات، مع التزام كامل بالتقاليد والقوانين.
واقع معيش
عمل الشيخ خليفة، رحمه الله، على ترجمة الأهداف إلى واقع معيش، فعمرت مسيرته بمبادرات عدة رائدة ومتميزة ساهمت في الارتقاء بمستوى الحياة في الدولة، ومنها -دون ترتيب زمني- جائزة الشيخ خليفة للامتياز التي أطلقتها غرفة تجارة وصناعة أبوظبي عام 1999 بتوجيهاته وحرصه على نشر الثقافة في أنحاء الدولة، وساهمت في تطوير أداء الشركات، وتعزيز القدرة التنافسية بينها لتحقيق إنتاجية أفضل.
وجاءت مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية في يوليو 2007، وركَّزت على مجالي الصحة والتعليم إقليمياً وعالمياً، ودعمت المشاريع المهنية وبناء المدارس والمستشفيات، ووفرت الاحتياجات الصحية المتعلقة بسوء التغذية للأطفال، ودعمت أكثر من 87 دولة على مستوى العالم، فضلاً عن إطلاق الشيخ خليفة جائزة خليفة بن زايد التربوية، التي تأسست أيضاً عام 2007، وعملت على دعم الميدان التعليمي والتَّربوي بتحفيز المتميزين في الممارسات التَّربوية والتَّعليمية، وجمع المفكرين والأدباء من جميع أنحاء العالم لتبادل الفكر والآراء.
تسديد الديون
انطلاقاً من حرص الشيخ خليفة على تيسير سبل المعيشة على المواطنين وتذليل الصعاب التي قد يواجهونها جرّاء الديون جاء إنشاء صندوق معالجة الديوان المتعثرة في 2 ديسمبر 2011 بمناسبة اليوم الوطني ال40 للدولة؛ إذ أمر رحمه الله بتحديد مبلغ 10 مليارات درهم لمعالجة القروض وحالة المواطنين المتعثرة؛ إذ بلغ عدد المستفيدين من إعفاء البنوك 3482 مواطناً في 2014، وكانوا من فئة الملتزمين بالسداد للبنوك، وحالات العجز الصحي، وذوي الاحتياجات الخاصة، وحالات الضمان الاجتماعي، وغيرهم.
وتوالت مبادرات الشيخ خليفة؛ ففي 2 ديسمبر 2012 وجَّه بإحلال وإصلاح وصيانة المساكن القديمة لجميع المواطنين، التي بُنيت قبل عام 1990 للانتفاع من مساكنهم الجديدة، وبلغ عدد الوحدات التي تم حصرها وقتها 12500 مسكن، بكلفة 10 مليارات درهم.
كما أطلق في العام نفسه مبادرة «أبشر» لتعزيز كفاءة الأيدي الوطنية في سوق العمل، والتحفيز على الالتحاق بالقطاع الخاص، فضلاً عن مبادرة العُلوم والتكنولوجيا والابتكار، التي أطلقها في نوفمبر 2015، واعتمدت لها ميزانية قدرها 300 مليار درهم حتى عام 2021، بهدف الارتقاء في مجال العلوم والتكنولوجيا، والابتعاد عن الاعتماد الكلي للاقتصاد الوطني على النفط والاستثمار.
قرارات إنسانية
أما فيما يتعلق بالقرارات الريادية والإنسانية الرامية لتكريس استقرار الأسر التي أصدرها الشيخ خليفة، رحمه الله، والتي غمرت قلوب الجميع بالسعادة فلا تتسع المساحة هنا لحصرها، ومن بعضها -على سبيل المثال- القرار الذي أصدره في نوفمبر عام 2011 بزيادة رواتب موظفي الحكومة الاتحادية اعتباراً من مطلع 2012 بنسب تراوحت بين 35% و45%، ومنح علاوة خاصة بنسبة 100% من الراتب الأساسي لأعضاء السلطة القضائية، وعلاوة فنية بنسبة 10% تضاف إلى علاوة بدل طبيعة العمل للعاملين بوزارة الصحة، وفي مجال التدريس بوزارة التربية والتعليم.
كما أصدر قراراً بزيادة 20% من مخصصات الإعانات الاجتماعية لبعض الحالات التي تحصل على إعانات من وزارة الشؤون الاجتماعية، وقراراً آخر برفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين من القوات المسلحة، والحكومة الاتحادية إلى عشرة آلاف درهم شهرياً، اعتباراً من يناير 2012، وتم تطبيق القرار على أكثر من 21 ألفاً و512 متقاعداً.
أبناء المواطنات
من القرارات الرحيمة والنبيلة توجيه الشيخ خليفة، رحمه الله، الوزارات الحكومية والجهات المختصة بمناسبة الاحتفالات باليوم الوطني الأربعين بالمساواة في المعاملة بين أبناء المواطنات المتزوجات من غير مواطنين وبين المواطنين، كما أمر بمنح أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب الحق في التقدم للحصول على جنسية الدولة حال بلوغهم سن الثامنة عشرة.
وتم تشكيل لجنة لتنفيذ القرار، تم تكليف وزارة الداخلية بحصر جميع الفئات المستحقة من أبناء المواطنات، والمستوفين شروط اكتساب الجنسية، وإعداد قوائم نهائية بذلك ورفعها إلى وزارة شؤون الرئاسة، ورفعت اللجنة إلى الشيخ خليفة في يناير 2012 قوائم بأسماء 1117 من أبناء المواطنات الذين استوفوا الشروط، وذلك لاستكمال الإجراءات والخطوات القانونية المتبعة، كما رفعت قوائم بدفعة أخرى بأسماء 930 من أبناء المواطنات في إبريل 2012.
أما في أغسطس عام 2021، ولتعزيز الشفافية والنزاهة وسيادة القانون في الحكومة الاتحادية، فقد أصدر الشيخ خليفة مرسوماً اتحادياً بشأن مساءلة الوزراء وكبار موظفي الاتحاد، وذلك عما يقع منهم من أفعال في أداء وظائفهم الرسمية في ضوء الجهود الحكومية لتطوير القوانين، واللوائح، والنظم.
شعارات راسخة
تتابعت مبادراته، رحمه الله، إذ -بناء على توجيهاته- أقر مجلس الوزراء 2015 عاماً للابتكار، ووجّه الجهات الاتحادية لتكثيف الجهود، ومراجعة السياسات الحكومية، لإرساء بيئة محفزة للابتكار بجذب المهارات الوطنية وزيادة البحوث المتميزة، وتعزيز الجهود لبناء كادر وطني قادر على قيادة الدولة نحو مزيد من التقدم، والازدهار، والابتكار.
وكان لدى الشيخ خليفة قناعة راسخة بأن تغيير مسار التنمية نحو اقتصاد معرفي قائم على العلوم، والتكنولوجيا، والابتكار يتطلب تنشئة جيل قارئ ومواكب لتطورات العالم من حوله، ومُلمّ بأفضل الأفكار وأحدث النظريات؛ لذا وجّه بأن يكون 2016 عاماً للقراءة، وفي ذلك أطلق برنامج «خليفة لتمكين الطلاب» برعاية الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، ومبادرة «أقدر» لتعزيز المهارات القرائية بما يخدم عام القراءة.
وأعلن الشيخ خليفة 2017 عاماً للخير في الإمارات ترسيخاً لمبدأ العطاء الإنساني المتواصل الذي لا تحيد عنه إمارات الخير والجود الذي تشمل به الجميع، داخل الدولة وخارجها.
كما أعلن، رحمه الله، أن عام 2018 يحمل شعار «عام زايد»، ليكون مناسبة وطنية للاحتفاء بالقائد المؤسس، بمناسبة ذكرى مرور 100 سنة على ميلاده، ولإبراز دوره الخالد في تأسيس وبناء الدولة، وتناول إنجازاته على صعيد الدولة والعالم أجمع.
أما عام 2019 فقد أعلنه الشيخ خليفة عاماً للتسامح في الدولة، لإبرازها عاصمة عالمية للتسامح وتأكيد قيمته، وهو امتداد لنهج الأب المؤسس «زايد»، وبكونه عملاً مؤسسياً مستدامًا يهدف لتعميق قيم الحوار وتقبل الآخر، والانفتاح على الثقافات المختلفة.
البنية التحتية
لم ينقطع اهتمام الشيخ خليفة بالنهوض بالبنية التحتية ومشاريعها الأساسية على مستوى مدن الدولة كافة، وفي ذلك جاءت أوامره بزيادة الاستثمارات في المناطق الشمالية في قطاع الماء والكهرباء للوقوف على احتياجات المواطنين من الخدمات الأساسية، ووجه بأن تتولى هيئة مياه وكهرباء أبوظبي تصدير الطاقة الكهربائية، وكميات المياه المطلوبة إلى الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء، لتتمكن من توفير احتياجات المواطنين في هذه المناطق، كما تعهد خلال ولايته الثانية بتنفيذ استراتيجيات جديدة طموحة لتعزيز برامج التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، التي كان قد أطلقها في ولايته الأولى.
وفي خطابه في اليوم الوطني الثامن والثلاثين في الأول من ديسمبر عام 2009 أعلن الشيخ خليفة عن برامج عمل ورؤى جديدة لمرحلة العمل الوطني تقوم على توظيف كامل القدرات الوطنية، وتفعيل سياسة التوطين والإحلال، والاستمرار في تطوير البنية التحتية في المناطق الأقل نمواً والارتقاء بالخدمات فيها، والاستمرار في تطوير عمليات البنية التحتية للاقتصاد الوطني، وإصلاح السياسات الاقتصادية والمالية، التي تحكم سوق العمل، وربط سياسات التعليم والتدريب بسوق العمل، وتعزيز التلاحم المجتمعي، بما يرسخ قيم التماسك الأسري، والتكافل الاجتماعي، والشراكة المجتمعية، وإعادة إحياء الدور المحوري للأسرة، وتمكينها في التنشئة، والتوعية، والضبط، والرقابة.
السياسة الخارجية
على صعيد السياسة الخارجية للدولة على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي والعالمي عمل الشيخ خليفة، رحمه الله، على إرساء مبادئ واضحة ومحددة ترتكز على قواعد ثابتة أساسها الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وإقامة العلاقات على أساس المصالح المتبادلة، وتنمية روح التعاون، وحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية، والالتزام بالمواثيق العربية والإسلامية والدولية، والوقوف إلى جانب الحق والعدل، والمشاركة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وهو ما جاء في خطاب ألقاه في 2 ديسمبر عام 2005.
أما فيما يتعلق بدعم وتعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك فقد أكد في الخطاب ذاته حرصه على الاستمرار في التشاور والتنسيق مع قادة الدول الخليجية مثمناً السعي المخلص لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في تأكيد حق الإمارات في جزرها الثلاث «طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبي موسى»، ودعمهم للإمارات في السعي من أجل وضع آلية للمفاوضات المباشرة مع إيران، أما في خطابه احتفالًا باليوم الوطني السادس والثلاثين في الأول من ديسمبر 2007 فقد شدّد على ضرورة إبعاد التوتر عن منطقة الخليج وضمان أمنها واستقرارها، مؤكداً أن المنطقة موطن ثروات ومركز التقاء مصالح.