التصوير لإثبات الحق.. دليل يجرّمه القانون
تحقيق: جيهان شعيب
يتعرض بعضهم أثناء قيادتهم مركباتهم إلى مواقف مرورية مختلفة، من انحراف أصحاب مركبات أخرى تجاههم أو تجاوزهم أو اعتراض خط سيرهم، لا سيما إذا كانت قائدة المركبة فتاة أو سيدة، فضلاً عن إقدام بعضهم على التسابق، ما يُربك حركة السيارات عامة، وغير ذلك.
لكن إذا اعترض قائد المركبة الذي تعرض لأي من هذه الأفعال الهوجاء، بأن فتح نافذة سيارته محتداً، ما دفع الطرف الآخر للرد بأي إشارة سلبية أو تصرف سيئ أو قول بذيء، فعمل الأول على تصويره، لتقديم ذلك كدليل للجهات المختصة عند رفع دعوى بالواقعة، تأتي النتيجة عكسية، حيث المتضرر قد يقع تحت طائلة المساءلة القانونية، إذ لا يجوز تصوير أي شخص دون إذنه، وهنا يصبح المجني عليه متهماً بعدما كان هو الضحية، في حين توجد طرق كثيرة ليست مجرمة قانوناً نكشفها في السطور التالية.
قال المحامي حسين آل علي: «يتعرض الكثيرون أثناء القيادة، أو في مراكز التسوق، إلى مواقف ووقائع مختلفة ومتنوعة، فيلجأ بعضهم لتصويرها بهواتفهم المتحركة، لإثباتها حين فتحهم بلاغات في مراكز الشرطة، متناسين في ذلك أن القانون يجرم تصوير أي شخص كان دون إذنه، وبالتالي يصبح المجني عليه متهماً، بعدما كان هو الضحية، في حين توجد طرق كثيرة ليست مجرمة قانوناً، ويمكن الاستعانة بها لإثبات الوقائع، وبإمكان المتضرر الاستعانة بالكاميرات الموجودة في مركز التسوق لإثبات أي مما قد يتعرض له من وقائع، ومواقف سلبية، بدلاً من تصويرها بهاتفه.
وأضاف، أنه لا بد هنا من الإشارة إلى أن حجية التصوير بالهاتف المتحرك في الإثبات الجنائي، تخضع لما عليه سائر الأدلة الجنائية الأخرى، من وجوب توافر المشروعية في الدليل، فإن فقد التصوير هذه المشروعية، كان دليلاً باطلاً لا يجوز التمسك به، بل وربما يعرض من قام بالتصوير إلى المساءلة القانونية لارتكابه فعلاً يعتبر مجرماً قانوناً، وهنا يأتي دور المشرّع الإماراتي الذي سن القوانين التي تواكب التطور التقني العالمي، وذلك بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ونائبيه، اللذين أخذا على عاتقيهما سلامة الجميع على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، وحفظ حقوقهم.
وأوضح أن المادة (44) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تنص على معاقبة كل من التقط صوراً للغير في أي مكان عام أو خاص، بقصد الاعتداء على خصوصية شخص، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداد صور إلكترونية أو نقلها أو كشفها أو نسخها أو الاحتفاظ بها، للحبس الذي لا تقل مدته عن ستة أشهر، والغرامة التي لا تقل عن 150 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
حفظ الحقوق
بحسب المستشارة القانونية منوهة هاشم، حيث تقول: «يجب أن نعي جيداً أن الشرع والقانون حفظا الحقوق، وأوجبا إحاطة الأفراد بكامل الرعاية، بما يكفل لهم الحياة الآمنة المستقرة، ومن بين تلك الحقوق احترام الحياة الخاصة للأفراد، فيما هناك حق عام وآخر خاص، لا يحق لأحد تجاوزهما بأي صورة، فالحق الخاص معلوم لدى الجميع، ولا يحق لأحد تجاوزه، مثل وضع كاميرا تصوير في منزل مؤجر حتى يراقب المستأجر أصحاب المنزل، وهنا تنزل به العقوبة المشددة لاختراق الحد والقانون.
وأضافت أن هناك مسألة مهمة يشهدها الجميع، تتمثل في تزويد السيارات بكاميرات، حتى تكون وسيلة إثبات حين وقوع ضرر مروري، أو حال تجاوز شخص بسيارته إحدى السيدات، مثلاً، وتعريضها للخطر، فهل باستطاعة هذه السيدة إثبات ما ألمّ بها، من خلال فيديو قامت بتصويره، أو كاميرا مراقبة في سيارتها؟
الإجابة هنا، هي أن ما تصوره هذه الكاميرات يستعمل فقط أمام الشرطة المختصة، أو المحكمة عند الحاجة، لأنها تتضمن معطيات خاصة كرقم السيارة، فإذا قام شخص ما بنشر هذه المعطيات في مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يعاقب قانوناً.
النية والغرض
لفتت منوهة هاشم، إلى أن التصوير في مكان عمومي غير ممنوع، أما إذا استهدف المصور تصوير شخص بعينه بهدف ما، سواء كانت النية سيئة أو حتى حسنة، ودون إذن منه لهذا الغرض، فهنا اختلف فقهاء القانون، بحكم أن التصوير في مكان عام، ولأن المناط هو النية والحقيقة منها، لا تكون معلومة إلا إذا تمخض عنها فعل، ويجب أن نعلم أن أي تصوير في مكان عام بهدف توصيل صورة معينة، يجب أن يقدم للجهة المنوطة بذلك، عن طريق مأمور الضبط القضائي، كونه المخول من الحكومة بهذه المهمة.
ونصت المادة 30 من قانون الإجراءات الجزائية على أن «يقوم مأمورو الضبط القضائي بتقصي الجرائم، والبحث عن مرتكبيها، وجمع المعلومات، والأدلة اللازمة للتحقيق والاتهام».
وفي نفس القانون نصت المادة 35 على أنّه: «يجب على مأموري الضبط القضائي أن يقبلوا التبليغات، والشكاوى التي ترد إليهم في شأن الجرائم، ويجب عليهم أن يحصلوا على الإيضاحات، وإجراء المعاينة اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع».
من هنا يتبيّن أن التصوير بشكل عام، أو من خلال كاميرات السيارة، بهدف الحفاظ على حق المجني عليه، يتوقف عند حد عدم تجاوز حقوق الآخرين، وعدم نشر الصور على أي موقع من المواقع، حفاظاً على خصوصية وحق الجميع، والتي لا يجب تجاوزها بأي حال من الأحوال، وإن تضرر الفرد، فعليه اللجوء إلى أصحاب الاختصاص، دون تشهير أو ابتزاز، وإلا انقلب السحر على الساحر.
تحليف الشهود
أما المحامي سالم ساحوه، فقال: «انتشرت في الآونة الأخيرة المضايقات على الطريق العام، من مركبات لأخرى، فيما القانون يتصدى لتعريض حياة الناس للخطر، لكن تصوير أي من هؤلاء المتجاوزين يؤدي للمساءلة القانونية، لاندراج ذلك في التعدي على خصوصية وحرية الآخرين».
أدب رفيع
بالنظر في موقف الشارع الحكيم من احترام خصوصية الآخرين، نجد أن الآداب الإسلامية الرفيعة أكدت احترام الحياة الخاصة للآخرين، ووضعت سياجاً منيعاً من القيم والتعاليم والأحكام الصارمة التي تحقق السرية والخصوصية، وجرّمت الاطلاع عليها أو كشفها تحت أي دعوى أو مبرر مهما كان.
وفي قول سابق للدكتور محمد الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أكد أن احترام الحياة الخاصة للآخرين في منظومة الإسلام الأخلاقية له صور كثيرة ومجالات متعددة، تبدأ بأدب الاستئذان، وأن الإسلام يستهدف إقامة المجتمع الفاضل الذي تنتشر الثقة بين أفراده، وحرص على ترسيخ ثقافة «حسن الظن»، حتى يقيم المجتمع على صفاء النفوس، وتبادل الثقة بين أفراده، لا على الريب والشكوك، والتهم والظنون، وهذا يوفر لكل فرد في المجتمع العيش بسلام، واستقرار، بعيداً عن الاضطراب، والقلق.وأيضاً قال د. سعد الدين هلالي، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر: إن حُسن الظن بالآخرين في ظل منظومة الإسلام الأخلاقية، أدب إسلامي رفيع، لا يجوز التخلي عنه، فليس من حق المسلم إحاطة أحد بالظنون والشكوك والأوهام، ولا يجوز ترديد الأقوال السيئة أو الشائعات الكاذبة عنه، وهنا يبرز قول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنَّ بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إنَّ الله تواب رحيم».